كلمة الموفق العميد عبد الستار بنموسى في ندوة الحوكمة العمرانية والبيئية – التحديات والرهانات – المشتل 19 فيفري 2020
كلمة الموفق الإداري
في افتتاح الندوة الوطنية حول : “الحوكمة العمرانية والبيئية – التحديات والرهانات
المشتل 19 فيفري 2020
ـ السيد هشام الفوراتي وزير الداخلية
– السيد مختار الهمامي وزير الشؤون المحلية
– السيد نورالدين السالمي وزير التجهيز
– السيدة سعاد عبد الرحيم شيخة مدينة تونس.
– السيد معز الورتاني ممثل رئاسة الجمهورية
– الدكتور زيد الديلمي مندوب هانس زيدل الألمانية
– السيدات والسادة ممثلي السلطة التشريعية ورؤساء اللجان البرلمانية
– السيدات والسادة رؤساء البلديات والكتاب العامين
ـ السيدات والسادة رؤساء فرق الشرطة والحرس البلدي
ـ السيدات والسادة المشرفين على الشرطة البيئية
ـ السيدات والسادة ممثلي الهياكل المعنية بالعمران والبيئة
ـ السيدات والسادة ممثلي المجتمع المدني
ـ السيدات والسادة ممثلي وسائل الإعلام
ـ أيها الحضور الكريم
بداية أتوجه بالشكر إلى الحاضرين من رؤساء البلديات والكتاب العامين وهم عماد اللامركزية وأساس الديمقراطية التشاركية ، كما أشكر الوزراء ونواب مجلس نواب الشعب والمشاركين من المؤسسات المركزية والجهوية ومنظمات وجمعيات المجتمع المدني وكافة الإعلاميين الحاضرين، أشكر أيضا مؤسسة هاندس زايدل في شخص أعوان وإطارات ممثليها بتونس ولا يفوتني أن أشكر أعوان وإطارات الموفق الإداري.
تتمحور هذه الندوة حول : “الحوكمة العمرانية والبيئية – التحديات والرهانات“. قد يتساءل بعض المشاركين في هذه الندوة عن صفة الموفق الإداري في المبادرة بتنظيمها.
إن مهمة الموفق الأساسية طبقا للتشريع الجاري به العمل تتمثل في الدفاع عن الحقوق ولعلّ تسميته الحالية بموفق إداري تثير لبسا لدى الأطراف التي تتعامل معه، فالمواطن يعتبره تابعا للإدارة والإدارة تخاله مسائلا لها.
إن هذه التسمية التي لا بدّ من تغييرها لا تتماشى مع الواقع وتمثل نشازا مع التسميات في كل أنحاء العالم، من ديوان المظالم في حضارتنا العربية الإسلامية إلى الامبودسمان بالسويد وهو أول أمبودسمان في أوروبا سنة 1809 ويعني المدافع عن الغير إلى محامي الشعب في ألبانيا وحامي المواطن في اسبانيا إلى الموفق الجمهوري في فرنسا والذي أصبح منذ سنوات عديدة المدافع عن الحقوق وهي أبلغ تسمية.
لذلك فإن الموفق الإداري ببلادنا يدافع عن كافة الحقوق وفق المنظومة العالمية ومن بينها الحقوق العمرانية والبيئية وتقاريره السنوية أكبر دليل على ذلك وتتضمن وفقا للتشريع الجاري به العمل توصيات لإصلاح المنظومة الإدارية وتعديل القوانين والنصوص الترتيبية ذات الصلة.
إن الدستور التونسي المصادق عليه من قبل المجلس الوطني التأسيسي يوم 27 جانفي 2014 ألزم في الفصل 14 “الدولة التونسية بدعم اللامركزية واعتمادها في كامل التراب التونسي وفي إطار وحدة الدولة“، أمّا الفصل 45 فقد نصّ”بأن الدولة تضمن الحق في بيئة سليمة ومتوازنة وتساهم في سلامة المناخ وتوّفر الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي“.
تمثل العرائض الواردة على مصالح الموفق المركزية والجهوية والمتعلقة بالمسائل العمرانية والبيئية خمس العرائض وهي نسبة هامة .وقد سعت إطارات التوفيق إلى معالجتها ولئن نجحت في إنصاف بعض المتظلمين فإن نسبة الانجاز بقيت ضئيلة وخاصة فيما يتعلق بتنفيذ قرارات الهدم أو الازالة أو حتى مسألة الإسراع في اتخاذ القرارات الرادعة للمخالفات البيئية والعمرانية بحيث أن التجاوزات نشأت ظاهرة لتصبح معضلة.
لذلك واستنادا إلى الفصل 2 من القانون عدد 51 لسنة 1993 الذي يؤهل الموفق الإداري بالنظر في الشكاوي الفردية والجماعية المتعلقة بالمسائل الإدارية والسعي إلى معالجتها بالوساطة والتوفيق وتقديم التوصيات لإصلاح الإجراءات وتحسين عمل الإدارة وتعديل النصوص القانونية والترتيبية ذات الصلة بادرنا بتنظيم هذه الندوة لفائدة السادة رؤساء البلديات والكتاب العامين وأشركنا كل الأطراف المعنية دون استثناء قصد تشخيص مواطن العلّة ورصد الإخلالات وتحديد أسبابها بكل موضوعية وتوضيح المسؤوليات وتقديم التوصيات الضروريّة للقضاء على مواطن الداء عبر تعديل المنظومة التشريعية والنصوص الترتيبية والحدّ من السلوكيات التي تضرّ بالعمران والبيئة. أليست مهمة الموفق تتمثل في التوفيق بين الأطراف المعنية.
وستتلو هذه الندوة الوطنية ندوات اقليمية يوم 4 مارس بسوسة ويوم 11 مارس بصفاقس ويوم 18 مارس بتوزر ويوم 25 مارس 2020 بطبرقة.
إن الوضع العمراني والبيئي ببلادنا أصبح معتلا ومترديا والأرقام المتواترة مفزعة فالسيد مختار الهمامي وزير الشؤون المحلية والبيئية سبق له أن صرح يوم 23 أفريل 2019 بأن المجالس البلدية المنتخبة وجدت نفسها عند مباشرة مهامها أمام جملة من التجاوزات المتراكمة وحالات من التسيب والانفلات أفرزت بالخصوص بناء أكثر من380 ألف محلّ دون ترخيص قانوني منذ سنة 2011، وتم إحصاء1400 حي شعبي فوضوي مما جعل نسبة البناء العشوائي تبلغ 40% في كامل البلاد.
لقد أفرز التوّسع العمراني والبناء العشوائي مشهدا عمرانيا فوضويا في جل المدن والأحياء بما في ذلك بعض الأحياء الراقية وغابت بفعل ذلك الخصوصية العمرانية والجمالية وتقليص الإبداع العمراني.
لقد ارتفع عدد البناءات العشوائية التي اقيمت دون ترخيص قانوني على تخوم الأرياف وفوق أراضي فلاحية أو بالقرب من المدن وازداد عدد سكانها بحيث أصبحت خارجة عن سيطرة الدولة ولقد حاولت مؤسسات الدولة ادخال تلك الأحياء في مخططات التهيئة العمرانية لكن دون توفير الحدّ الأدنى من الخدمات والمرافق ودون خطط ادماج في مجال التنمية والنهوض الاجتماعي فأصبحت تلك التجمعات السكنية تفتقر لأبسط مقومات العيش الكريم.
لقد اتسمت التهيئة الترابية والتعمير منذ الاستقلال إلى حدود المصادقة على دستور سنة 2014 وعلى مجلة الجماعات المحلية سنة 2018 بضعف اللامركزية بالنسبة للتصور الترابي والعمراني وضعف الوسائل المادية والبشرية وثقل الرقابة والبيروقراطية المفرطة.
تضمن الدستور الجديد ومجلة الجماعات المحلية تقليصا واضحا من المركزية في مجال التهيئة الترابية والتعمير. إذ اشتمل دستور 2014 في بابه السابع على عدّة نقاط ترسي لامركزية ترابية وعمرانية تقوم على تحقيق المعادلة بين الديمقراطية المحلية الفعلية وضرورة الحفاظ على وحدة الدولة.
إلاّ أن مجلة التهيئة الترابية والتعمير الصادرة سنة 1994 تجاوزتها الأحداث وأصبحت لا تتلاءم مع الدستور الجديد ومجلة الجماعات المحلية واتضح من خلال التطبيق عديد العراقيل والإشكاليات بسبب محدودية أحكامها في تنظيم المجالين الترابي والعمراني للبلاد.
لقد أصبح من الأكيد تفعيل دور الجماعات المحلية والمجتمع المدني في وضع التصورات وإعداد أدوات التخطيط الترابي والعمراني مع ضمان التناسق بين برامج التهيئة والتنمية والتطابق مع المعايير الدولية على أساس مقاييس الاستدامة. لذلك لا بدّ من التسريع في إعداد الصبغة النهائية التوافقية لمشروع مجلة التهيئة والتعمير والمصادقة عليه للحدّ من طول إجراءات إعداد ومراجعة أمثلة التهيئة العمرانية والمصادقة على ملفات التقسيمات العمرانية ورخص البناء.
إن التأخير في المصادقة على المجلة يفرز مزيدا من الاخلالات في المشهد العمراني ومن إنشاء تقسيمات فوضوية غير مرخص فيها مما يشكل عائقا أمام مقومات العيش الكريم بمفعول التوسع الحضري على حساب الأراضي الفلاحية وارتفاع نسبة البناء الفوضوي. أما بيئيا فهي تنعى حظها بين أهلها ولم تعد بلادنا خضراء كما كانت، فالتلوث أصبح بمثابة المعضلة مصادره متعددة بدءا من البناء الفوضوي إلى تصاعد الدخان والنفايات السامة من كل مكان وإفراغ نفايات المصانع والمياه المستعملة بالأدوية والأنهار والبحار وإلقاء الفواضل المنزلية في غير موضعها.
أما مظاهر التلوث فهي متنوعة من التلوث الترابي إلى التلوث الهوائي والتلوث المائي وصولا إلى التلوث السمعي البصري. أما أسبابه فهي مختلفة أهمها ضعف الإرادة في مقاومته وعدم توفير المعدات والآليات اللازمة للحدّ منه، كذلك قلة الوعي لدى المواطن من مخاطره على صحة الانسان والحيوان ، وفي هذا المجال أبرز الإعلام بوضوح مخاطر التلوث البيئي جراء المصّبات العشوائية مثل عقارب.
إن الأنفع والأجدر أن يتجرد كل منا من نشوة لعب دور العارف والتبجح بالكفاءة وأن يتجند إلى دور الضاغط والفاعل كل من موقعه لتغيير الواقع المرير وتحقيق الحوكمة الرشيدة في المجالين العمراني والبيئي وكذلك في بقية المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية قصد ضمان تنمية شاملة وجيّدة وإن الحوكمة المنشودة يجب أن تكون فعالة وناجعة وهي مسؤولية الجميع من حكومة وبلديات ومؤسسات ومنظمات وجمعيات وطنية والمجتمع المدني بأكمله في إطار شبكة تشاركية فاعلة طبق استراتيجية واضحة قصد تحقيق الحكومة المفتوحة قولا وفعلا.
إن غدا يبدأ من الآن – وإلا لفه النسيان
وإن الوعد فعل وعزم – وإلا أصبح خبر كان
وكما قال أبو الطيب المتنبي :
عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ
وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ
أتمنى لكم النجاح في أعمالكم والتوفيق في توصياتكم
وختاما تحية وسلاما.
الموفق الإداري
العميد عبد الستار بنموسى
- Published in الوطنية