محاضرة العميد عبد الستار بنموسى في : القمة الثانية للفائزين بجائزة نوبل للسلام والقادة من أجل الأطفال بعمان الأردن
محاضرة العميد عبد الستار بنموسى
الموفق الإداري التونسي
وعضو الرباعي الراعي للحوار في تونس
فـــــــــــــــــي :
القمة الثانية للفائزين بجائزة نوبل للسلام والقادة من أجل الأطفال
بعمان الأردن
أيام 26 و27 مارس
تحت رعاية الملك عبد اهلل الثاني.
أيها الأطفال الأعزاء
أيها الحضور الكريم
تحية وسلاما
الطفولة هي عماد مستقبل البشرية، في حمايتها نعمة وفي إهمالها نقمة، فالطفل الذي يجد حماية وينشأ في بيئة سليمة تكون له آمال وأحلام ومستقبل باسم فيساهم في التطور والسلام، أما الطفل الذي يعاني من التهميش والإهمال وينشأ في بيئة سيئة تصبح أحلامه أوهاما وأماله حطاما ومستقبله قاتما فيفقد الأمان ويصبح أداة انتقام.
طفولتنا في جلّ أنحاء العالم وفي مختلف القارات لم تعد بأمان كما قال السيد كايلاش ساتيارثي مؤسس هذه المبادرة الذي نشكره وتوجه له التحية والشكر موصول إلى اللجنة التوجيهية وعلى رأسها سمو الأمير طلال بن الحسين.
نحن هنا من أجل حماية الأطفال لذلك أتوجه بالشكر والتحية إلى كافة الأطفال الحاضرين معنا وخاصة منهم الأطفال السوريين القادمين من مخيم الزعتري ومن خلالهم إلى كل أطفال العالم وأدعو الحضور من الكبار إلى الوقوف تحية إجلال وإكبار لكل الأطفال المهمشين والمحرومين.
إن الأرقام الصادرة في تقارير UNICEF مفزعة، فأكثر من 263 مليون طفل وشاب خارج المدارس و153 مليون طفل عامل و14 مليون لاجئ علاوة على الأطفال اللذين تعرضوا إلى العنف بجميع أنواعه أو إلى القتل ، إنها أرقام مفزعة ودون الواقع بكثير ، وصورة الأطفال الضحايا مثل إيلان كردي أو عمران دقنيش و غيرهما التي تناقلتها وسائل الإعلام تدمي القلوب إلا أنها لا يمكن أن تنسينا مأساة الأطفال الفلسطينيين اللاجئين والذين يتعرضون يوميا إلى القتل وسوء المعاملة ، فصورة محمد الدّرة الذي اغتاله الكيان الصهيوني مازالت نصب أعيننا وهو ما جعل أطفال الحجارة ينتفضون لتغيير وضعهم وما دفع بعهد التميمي أن تثور على ذلك الوضع القائم والمظلم فباسمكم أتوجه لها بالتحية والتقدير.
وكما قال سمو الأمير علي بن الحسين : “لا تزال العبودية قائمة والأطفال يشكلون أكبر نسبة من المستعبدين في العصر الحديث إذ يقع استغلالهم في العمالة أو في التسول أو في الاتجار ويسلط عليهم العنف الجسدي والمعنوي والجنسي أو يجبرون بفعل الفقر على الهجرة السرية أو بفعل الحروب والنزاعات المسلحة التي هم ضحاياها إلى اللجوء فيقتلعون من جذورهم. إن حماية الأطفال والسعي إلى تأمين حاضرهم ومستقبلهم ضرورة أخلاقية وسياسية وهو شعار وهدف. هذه الحركة التضامنية التي يجب أن تصبح أداة فعالة لتأسيس بيئة حاضنة للأطفال قادرة على حمايتهم على المستوى الوطني وعلى المستوى العالمي وذلك من خلال السعي إلى إرساء منظومة تشريعية متلائمة مع المعايير الدولية وإيجاد آليات وإجراءات فعالة لحماية الأطفال من كل اعتداء أو تهميش.
1ـ السعي إلى إصلاح المنظومات التشريعية الخاصة بالأطفال :
منذ 29 عاما أقرّ زعماء العالم سنة 1989 بحاجة الأطفال إلى اتفاقية لحمايتهم وفعلا تم إصدار تلك الاتفاقية التي تؤكد على حقوق الطفل في البقاء والنمو والتطور والحماية من التأثيرات المضرّة وسوء المعاملة والاستغلال وبتصديقها على تلك الاتفاقية والبروتوكولات اللاحقة التزمت الدول بحماية حقوق الطفل ووافقت على تحمل المسؤولية الناجمة عن ذلك الالتزام كما التزمت بتطوير قوانينها على ضوء المصالح الفضلى للطفل.
لذلك يجب العمل على تعديل المنظومة التشريعية لكل دولة لتصبح متلائمة مع المواثيق والمعايير الدولية من ذلك إنهاء الرّق وعمالة الأطفال وجعل التعليم إجباريا ومجانيا في الأساسي والثانوي وجعله مبنيا على الكفاءة والإبداع فالعلم يبني حضارة والجهل يهدم حضارات : “العلم يبني بيوتا لا عماد لها … والجهل يهدم بيوت العزّ والشرف”، كما يجب منع عمالة الأطفال والاعتداء عليهم وسوء معاملتهم واستغلالهم وشديد العقوبات.
وفي هذا المجال أصدرت تونس أخيرا قانونا يحمي الأطفال من تلك المعاملات ويشّدد العقاب وينشئ شرطة خاصة بحماية النساء والأطفال ومرصدا وطنيا في الغرض وهناك مشروع قانون يرمي إلى المساواة في الإرث بين الجنسين.
2ـ استنباط إجراءات وآليات :
القوانين وحدها لا تكفي كم من دساتير تضمن الحرية والديمقراطية بقيت حبرا على ورق وكم من قوانين دولية لا تطبق أو تطبق بمكيالين وكم من قرارات أممية وأحكام قضائية ظلت نسيا منسيا لذلك لا بدّ من الضّغط على النطاق العالمي لإنفاذ القانون الدولي الإنساني وكل القوانين الحامية للطفولة وإيجاد الآليات الفاعلة لتطبيقها.
صحيح أن رؤساء حكومات العالم أكدوا في قمة العشرين سنة 2017 على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لإنهاء الرّق وضمان تعليم جميع الأطفال ودعم مجهودات الفائزين بجائزة نوبل للسلام والقادة من أجل الأطفال إلا أن الوعود سرعان ما تتبخر أمام مصالح الدول والحكومات . لذلك لا بدّ من تكوين قوة ضغط لحشد السياسيين على تحمّل مسؤولياتهم وتنفيذ وعودهم قصد حماية الطفولة وقوّة الضغط الوحيدة هي المجتمع المدني بأكمله على مستوى كل دولة وعلى مستوى العالمي يجب على منظمات المجتمع المدني وخاصة منظمات الطفولة في كل الدول أن تتحد مع بعضها وتكون شبكات قصد حماية الطفولة وإنقاذ البشرية ، فتجربة الرباعي الراعي للحوار التونسي كانت رائدة إذ أشرفت 4 منظمات وطنية نقابة الأعراف ونقابة العمال وهيئة المحامين ورابطة الدفاع عن حقوق الإنسان على حوار بين الأحزاب أفرز دستورا يحمي الطفولة ويقرّ المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات ويجعل التعليم إجباريا ومجانيا ويضمن الحق في الرعاية الصحية والاجتماعية.
المجتمع المدني يمكن أن يكون أداة فعالة في عدّة مجالات ومساندا قويا لهذه الحركة الرائدة.
1ـ أولها العمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان لدى الأطفال منذ نعومة أظافرهم وتعليمهم مبادئ حقوق الإنسان وتوعيتهم بحقوقهم وواجباتهم حتى يصبحون بدورهم قوّة لتغيير أوضاعهم. كما يجب نشر الوعي داخل الأسرة حول كيفية حماية الأطفال ورعايتهم ، يجب أن تصبح الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل والقوانين ذات الصلة وثائق إرشادية في متناول كل أسرة وكل طفل وبذلك يتم نشر ثقافة حماية الطفولة ونشر الوعي حول النتائج الوخيمة لإهمال الأطفال أو استغلالهم في العمالة والتسول كما يجب الدفع إلى وضع اتفاقيات جديدة تتعلق بحضر كل أنواع الاستغلال.
2ـ العمل على إيجاد مراصد وطنية تعنى بحماية الطفولة حتى تكون الإحصائيات دقيقة وحتى يقع فضح الاعتداءات على الأطفال ومساءلة المتسببين فيها.
3ـ إنهاء الحروب وعدم التدخل العسكري ووضع حدّ للتسلح وحضر السلاح النووي وانتهاج الحوار سبيلا لحل الصراعات.
إن تدخل القوى الأجنبية في عديد البلدان ومنها البلاد العربية أدى إلى هجرة الملايين من الأطفال وبقدر ما استقبلت دولة الأردن الشقيق كما عودتنا عبر التاريخ اللاجئين بإعداد كبيرة وهي مشكورة على ذلك بشعبها الأبي وبملكها عبد الله بن الحسين ، فإن الدول الأوروبية استقبلت أيضا اللاجئين لكن بأعداد أقل مما وعدت . يجب أن يصبح استقبال اللاجئين من الأطفال واجبا مقدسا ويجب مساعدة دول الاستقبال ماديا ومعنويا.
إن التدخل الأجنبي في ليبيا أدّى سنة 2011 إلى لجوء مليون ونصف جلهم من الأطفال إلى تونس حيث تم استقبالهم وإيواؤهم رغم ضعف الإمكانيات.
4ـ العمل على ضرورة توفير الأمن المجتمعي على النطاق العالمي وداخل الدول وذلك بنبذ العنصرية والكراهية ونشر قيم التسامح والتعاون الاقتصادي والاجتماعي.
5ـ تجنيد المجتمع المدني عبر الندوات والتظاهرات السلمية لحماية الطفولة وفضح كل مظاهر استغلالها والتنديد بخطابات الحقد والكراهية والعنصرية والتهديدات الصادرة خاصة من القادة السياسيين ودعم التحركات السلمية كالمسيرات التي تشهدها الولايات المتحدة ضدّ السلاح ، فلو تم إنفاق جزء يسير من أموال التسلح لشراء الكتب وأقلام الرصاص لتحدينا القمع والإرهاب ولجنبنا الطفولة جل المآسي .
6ـ العمل على الحدّ من ظاهرة الفقر والخصاصة أم المصائب في إطار عدالة اجتماعية كونية
في الختام في طبيعة البشر حماية أبنائهم أي أن الشعوب تريد حماية أطفالها.
وكما قال الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي :
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابدّ أن يستجيب القدر
ولا بدّ للظلم أن ينجلي ولابدّ للقيد أن ينكسر.
الموفق العميد عبد الستار بنموسى
- Published in الدولية